في مترو الأنفاق
في مترو الأنفاق ( لازم تعدي على .... صديقي )
هيا بنا نشاهد معاً
المشهد الأول : (بين المحطة الأولى و الرابعة )
أحدهما يمسك بكتاب مجمع الأحياء للعقاد .... متمعناً في قراءته قررت أن أنظر إليه و أحاول القراءة معه حتى أصل لوجهتي .. كان يقرأ و يفهم و يحلل جمل العقاد -التي توقفت عندها كثيراً جداً- في ثوان معدودات ، و كأنه بفطنته الغريزية قد فهم تلك الأفكار الفلسفية التي يحتويها الكتاب ... أتابع القراءة فأجد انه من الصعب - بل من المستحيل أن أفهم الصفحة دون أن أكمل قراءتها ... ظل الرجل كما هو مطمئناً بتلك النظارة التي اخترق بها صفحات الكتاب ... إلى أن توقف عند صفحة معينة جاء فيها "فاعلموا أن العدل و الحق و الواجب و الضمير لو كانت مجهولة لوجب اختراعها ، و لو كانت أوهاماً مخترعة لوجب اتباعها ،لأن العدل فوق المصلحة ، و الحق فوق القوة ، و الواجب فوق الهوى،و الضمير فوق الشريعة ، فمتى أردنا أن نظفر بالمصلحة ، و نتصرف بالقوة ، و نتمتع بالهوى ، و نصون الشريعة ، فعلينا بما فوقها علينا بالعدل و الحق و الواجب و الضمير" .
وجدته يميل بأنفه الغليظ و فمه الواسع ناحية أذني ليطلب مني و بهدوء شديد أن أقرأ له تلك الإرشادات الطبية الموجودة في علبة دواء للبرد ....و لما سألته عن كيفية قراءته و هو لا يستطيع القراءة .. قال
- بريح عنيا ....!!!
الآن فهمت مغزى حركة "التلويح" بيده التي تحمل الكتاب ...... ليري الجميع أن معه كتاباً ليقرأ فيه و هم لا
المشهد الثاني : (بين المحطة الرابعة و الخامسة ) :
ذلك البائع اللعين هو المسئول ..قد حاول سرقة محفظتك
لم ينبس الولد ببنت شفة حتى أعاد الرجل نفس الجملة بحدة واضحة و غير مبررة ، لينتفض بعدها ذلك الرجل المسروق و تهبط يداه و يطلق لسانه أشنع الألفاظ ، و في الصراخ و الضرب اجتمع الناس حول القصة و حاولوا " تسليكها" ، و مع ذلك السباب لم يعط الرجل أدنى فرصة لعقله لكي يجد محفظته كما هي سليمة معافاة ... ليجد هو أن الولد البائع الغلبان الذي جرى من بعد أن رأى الويل و عذاب الليل من ذلك الرجل الظالم ...و لم يعلم الرجل و لن يعلم أن كل ذلك كان مخططاً ...فكل عربة المترو هبطت المحطة التي تليها .
فقد سرقوا جميعاً أثناء "التسليكة" .
المشهد الثالث : ( بين المحطة الخامسة و السابعة ) :
جلست أضحك على نفسي وعلى ما حدث أمامي ، و حمدت الله أن لم أسرق كما سرق غيري .. حل الهدوء على المترو كأنه يسامحنا على ما فعل فينا ، إلى أن سمع الجميع صرخة مدوية من سيدة ، توالت بعدها الصرخات التي ملأت كل عربات المترو كلها ... كانت الصرخات خارجة من عربة السيدات –كالعادة- و كان منهم من يقول ( اقعدي يا ولية انتي و هي ) ...توقف المترو في المحطة التي تلت الصرخات و نزل المترو كله –حتى أنا – لنرى ما حدث في عربة السيدات .. وجدنا أغرب ما قد تجده عينا شخص يبلغ من العمر أي سنة .. اللاشئ ...لا شئ بالعربة سوى اولئك النساء يهرولن لينزلن من تلك العربة و من ذلك المترو المشئوم عدا امرأة ، ظلت جالسة بهدوء تمد يدها في هدوء إلى الأرض كأنها تهم لنأخذ شيئاً ما ... كان شكلها مريباً ما جعل سائق المترو "يشخط" فيها و يقول لها "سلمي " سلاحك يا "متشردة" .
لحظة ذهول أخرى حين لم ترد عليه ... و اشتد الذهول حين رأينا ذلك الفأر يمتطي يديها لترفعه إلى كتفها و تخرج من عربة المترو تلك ناظرة إلى السائق نظرة تحدي قائلة له ...
- أنا قلت للنسوان الفافي دول ..." اقعدي يا ولية انتي و هي" و هما اللي ما سمعوش الكلام
في الوقت ده افتكرت فيلم Home Alone 2 ، و الست دي كانت بتفكرني بالست اللي كانت بتربي الحمام
المشهد الأخير : دلوقتي و أنا بكتب البوست
ابتسامة عريضة تعلو ذقني أكاد أرسمها و أنا أنظر إلى الشاشة محدقاً إلى الكلمات التي كتبتها لتوي قائلاً
- ايه التفاهة دي يا محمد ؟
لا أعلم طريقة تجعلني أتكلم بما يريد الآخرون سماعه ، أو أن أكتب ما يريد الآخرون قراءته ، أنا أحاول الكتابة لأرشباع حاجة لا أعلمها لدافع و رغبة مجهولين بالنسبة لي ....
.